من كلمات الإمام المؤسس :

لكي تشرق الشمس من جديد على زوايا الخمول والنسيان والضعف والهوان جعلوا رسالتهم
(أننا ندعو بدعوة الله ، وهى أسمى الدعوات، وننادى بفكرة الإسلام ، وهى أقوم الفكر ، ونقدم للناس شريعة القرآن ، وهى أعدل الشرائع).

الاثنين، 4 يناير 2010

الجدار يهدد الأمن القومي


الجدار يهدد الأمن القومي

الجدار فعلاً يهدد الأمن القومي وليس كما ُيرَوج له عبر الإعلام والتصريحات وهذا ما تبينه هذه الرسالة حسبة لله وبلاغا للناس وشهادة للتاريخ
فماذا يعني مفهوم الأمن القومي ؟
مفهوم الأمن وفق دائرة المعارف البريطانية يعني :
"حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية".
أما مفهوم الأمن كما أوضحه "روبرت مكنمارا" وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية البارزين في كتابه "جوهر الأمن".. حيث قال:
"إن الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة"
ولعل أدق مفهوم "للأمن" هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله - سبحانه وتعالى –:
"فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ".
ومن هنا نؤكد أن الأمن هو ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث يعني التهديد الشامل، سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي منه والخارجي
وهذا التهديد متحقق من قبل التحالف الصهيوأمريكي و الأوروبي وما يتعلق به من إملاءات وهيمنه وشراكة وتغلغل بكل صوره وهذا بالطبع لا يمكن أن ينطبق على حالة غزة بحكم الدين والمصير والتاريخ والواقع وعليه فإن المكان الصحيح للجدار هو الشريط الحدودي من معبر كرم أبو سالم إلي رأس طابا المصرية (التي يمر منها الصهاينه في أي وقت بالبطاقة الشخصية) وهي الحدود الحالية بين مصر والكيان الصهيوني
وفي إطار هذه الحقيقة يكون المفهوم الشامل "للأمن" هو:
"القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل " وعليه فإن هذا المفهوم له عدة أبعاد :..

البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الوضع السياسي للدولة وسمعتها داخلياً وخارجياً
والجدار رسخ صورة مصر كحليف وشريك للكيان الصهيوني في حصاره وحربه على غزة مما أفقد مصر رصيدها السياسي القومي التاريخي والذي يتضح داخلياً ليس من تنامي المعارضة الداخلية فقط ولكن من نتائج استطلاعات الرأي المحايدة وسلبية العلاقة بين الدولة والشعب
وخارجياً كان مؤسفاً ولثاني مرة في تاريخ مصر تحاصر سفارات وقنصليات مصرية في الخارج بمظاهرات بسبب بناء مصر للجدار الفولاذي الذي أدى إلى مزيد من تراجع بل تلاشي الدور والرصيد العربي والإقليمي والإسلامي والعالمي لمصر لما تقدمه من دعم وخدمة للأمن القومي الصهيوني بإحكام الحصار و ببناء هذا الجدار بالإضافة الى فقد مصر هيبتها ومقوماتها كوسيط وراعي للمصالحة الفلسطينية (والتي كان من الممكن أن تستبقي بها مصر شيئاً من دورها الإقليمي )
بالإضافة الى الأضرار الناتجة عن مخالفة مصر للقوانين والمواثيق الدولية والإقليمية التي تزيد من أهتزاز كيانها ووضعها مما يضر بأمنها القومي وهذه المخالفات تتلخص في :

إن غلقها لمعبر رفح قد خالفت اتفاقية جنيف في 1949، أو التي صدقت عليها في 1952، والتي تنص المادة 59 منها على أنه "إذا كان جزء من السكان أو جميعهم في أرض محتلة ليست لديهم الإمدادات الكافية، فإنه يتعين على سلطة الاحتلال الموافقة على برامج الإغاثة..
ويتعين على جميع الأطراف الموقعة السماح بالمرور الحر للشحنات، وضمان حمايتها".
(مع ملاحظة أن اتفاقية معبر رفح منتهيه ومصر ليست طرف فيها ولا حجية لإعمالها وعدم إعمال أتفاقية جنيف)

جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية، والتي اعتمدت، وعُرضت للتوقيع والتصديق، أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948، وكان بدء نفاذها في 12كانون الأول/يناير 1951حيث جاء في المادة الثانية من هذه الاتفاقية صور الإبادة الجماعية على الوجه التالي:
"في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، أوإثنية، أو عنصرية، أو دينية، بصفتها هذه:أ) قتل أعضاء من الجماعة.ب (إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.ج) إخضاع الجماعة -عمدًا- لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا.د) فرض تدابيرتستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.هـ) نقل أطفال من الجماعة -عنوة- إلى جماعة أخرى" فهذا النص بكامل صوره ينطبق على ما تقوم به مصرو إسرائيل في حق أهل غزة من حصار وبناء جدار

ولعل من المهم أن نشير إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية، والذي وضع عام 1944م، وأنشئت الجامعة على أساسه في مارس عام 1945م، لم يذكر مصطلح "الأمن"، وإن كان قد تحدث في المادة السادسة منه عن مسألة "الضمان الجماعي" ضد أي عدوان يقع على أية دولة عضو في الجامعة، سواء من دولة خارجية أو دولة أخرى عضو بها. كما أن معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والموقعة عام 1950م، قد أشارت إلى التعاون في مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى "الأمن"، ونصَّت المادة الثانية منها على ما أطلق عليه "الضمان الجماعي"،
وبناء الجدار و إحكام الحصار (بالإضافة إلى موقف مصر أثناء حرب غزة) يخل بمبدأ الضمان الجماعي ويعد لوناً من الإعتداء الذي يترتب عليه مخالفة مصر لميثاق الجامعة العربية مما يضعف وضعها السياسي الذي يؤثر بدوره على أمنها القومي

البُعْد الاقتصادي.. الذي يتمثل في الوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية والتكلفة الضخمة للجدار- ان كانت مصر ستتحملها فستزيد من كارثية الوضع الاقتصادي لمصر وديونها وإن كانت هذه التكلفة ستقدم كمنحة فمؤكد سيكون هذا على حساب سيادتها وأمنها القومي
الى جانب غلق سوق – وإن كان غير رسمي – تجاري ضخم في سيناء والمحافظات القريبة كان التداول فيه بملايين الدولارات مما أنعش هذه المحافظات إقتصادياً ,وبلغ حجم البيع والشراء في أقل من عشر أيام – عند دخول بعض الغزاويين لسيناء
بثلث المعونة الأمريكية المقدمة لمصر
بالإضافة لتأثر الإقتصاد المصري نتيجة تنامي الحركات العالمية المطالبة بمقاطعة البضائع والسياحة المصرية نتيجة بناء الجدار الفولاذي
وأيضاً تأثر الطلب على السلع المصرية- بدأ فعلاً – في الدول العربية و الاسلامية و الافريقية نتيجة بناء الجدار الفولاذي
وتأثر الاقتصاد داخلياً نتيجة للحالة السلبية العامة التي خلفها بناء الجدار
في الوقت الذي يحتل الاقتصاد الاسرائيلي أي موقع ينسحب منه الاقتصاد المصري – في ظل أزمة عالمية خانقة
مع ملاحظة تمسك مصر باعتبار معبر رفح معبراً للأفراد فقط!!!! (بلا تعليق)

البُعد الاجتماعي.. الذي يتمثل في تنمية الشعور بالانتماء والولاء وهذا الشعور يتضائل نتيجة لممارسات عديدة حتى جاء بناء الجدار فزاد من اضمحلال هذا الشعور لأن قضية شعب غزة هي قضية القدس هي قضية عقيدة ومصير ووجدان وبناء الجدار الفولاذي خذل هذه القضية ومن ثم ضعف الولاء والانتماء ومن ثم حدث خرق في منظومة الأمن القومي

البُعْد المعنوي و الأيديولوجي. و. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم ,ويحقق التوافق والانسجام مع عقيدة الأمة ويستجلب رضا الله
وبناء الجدار الفولاذي خالف كل هذا وهدم بعضه وزاد من إهتزاز هيبة الدولة ومصداقية انتمائها وأرتباطها الديني والأخلاقي لما يحوي الدين من أحكام واضحة تجرم بناء الجدار ونبين بعضها على النحو التالي :
إن بنا ءالجدار وإحكام الحصارعده الفقهاء من صور العدوان والقتل العمد، . قال الدسوقي الفقيه المالكي: "يقتص ممن منع الطعام والشراب عن مسلم محبوس"وفي الفروق" من حبس شخصًا، ومنعه من الطعام والشراب فهو قاتل له". وقال زكريا الأنصاري الشافعي: "لو حبسه ومنعه الطعام أو الشراب والطلب له مدة لزمه القصاص لكونه عمدًا، لظهور قصد الإهلاك به،
وفي هذا أيضاً أخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه ))وأخرج أيضاً ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى الْكَعْبَةِ فَقَال :
( مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَك، وَمَا أَعْظَمَ حَقَّك، وَالْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْك، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ، وَحَرَّمَ دَمَهُ وَحَرَّمَ عِرْضَهُ وَأَذَاهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ سُوءٍ)
وأخرج البيهقي والطبراني بإسناد حسن عن جابر وأبي أيوب الأنصاري قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما من امرئ يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته. وما من امرئ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ))
فهذه نصوص الأحاديث وأقوال الفقهاء تشهد بأن من منع الطعام والشراب عن شخص حتى مات، قاصدًا قتله أو تعذيبه، فهو قاتل مجرم، فكيف بمن منع الطعام والشراب والدواء عن مليون ونصف من المدنيين، وفرض حصارًا ظالمًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا
وهذا كله يضعف البعد المعنوي والأيدولوجي الذي يعد بعداً هاماً من أبعاد الأمن القومي

البُعْد البيئي والصحي. الذي يعني التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن.
وبناء الجدار الفولاذي وإحكام الحصار يزيد إمكانية تأثر مصر بيئياً وصحيا لعدم حصول غزة على معدات ومواد معالجة الصرف والنفايات فضلاً عن قابلية انتشار الأوبئةً بسب تدهور الأحوال البيئية والصحية المترتبة على الحصار والذي يدفع غزة إلى إلقاء أكثر من مليون لتر عادم يومياً في البحر
فضلاً عن تلوث خزان المياه الجوفية المشترك ين مصر وغزة جراء الجدار الفولاذي
والذي يعد إضراراً بالأمن القومي المصري لذلك نقول :

الجدار يهدد الأمن القومي