من كلمات الإمام المؤسس :

لكي تشرق الشمس من جديد على زوايا الخمول والنسيان والضعف والهوان جعلوا رسالتهم
(أننا ندعو بدعوة الله ، وهى أسمى الدعوات، وننادى بفكرة الإسلام ، وهى أقوم الفكر ، ونقدم للناس شريعة القرآن ، وهى أعدل الشرائع).

الأربعاء، 7 يوليو 2010

الحصار ..حقائق وأدوار

الحصار حقائق وأدوار



لا يختلف عاقل على حقيقة الحصار المفروض إلى الآن على الشعب الفلسطيني في غزة من قبل محور الرباعية والدول التابعة لامريكا وإسرائيل بغرض كسر إرادته وسلب اختياره باسقاط حماس وحلفائها لتمسكها بالمقاومة ومرجعيتها الاسلامية,

وأن هذا المحورسخر لذلك إمكانات هائلة مادية وإعلامية ومخابراتية ودبلوماسية وسياسية بداية بالتمويل المفتوح لتصفية قادة المقاومة وكوادرها والتنسيق الأمني والمخابراتي ومروراً بإفشال إتفاق مكة واتفاق القاهرة وقمة غزة بالدوحة والإهانة المتعمدة للوفود الرسمية لحكومة حماس المنتخبة والإذلال والتعذيب للمواطنين الفلسطنيين القادمين للعلاج والتعليم وخداع الرأي العام بالفتح الصوري للمعابر ومرور أصحاب التنسيقات الأمنية مع رام الله والإصرار على تسليم أي مساعدات للأنرو (الذي يديرها أطراف من حلف إسقاط حماس ) وصولاً لمحاولات الالتفاف والتحايل على نتائج قافلة الحرية واستيعاب الضغوط وركوب التيار العالمي المطالب برفع الحصار بإطلاق التصريحات الإعلامية المطمئنة وعقد الإتفاقات والترتيبات الخفية التي تؤكد الإصرار على إنهاء وجود المقاومة ذات المرجعية الإسلامية

وهذا ما أكده مبعوث الرباعية بلير- الذي يحاكمه شعبه بتهمة الكذب والخداع – في أول تصريح له بعد مجزرة اسطول الحرية أنه سيعمل على رفع الحصار بطريقة تمكن من عودة السلطة ومحاصرة حماس (يسميها الإرهاب)في نفس السياق قال المتحدث باسم الخارجية المصرية بعد مقابلة بلير الجمعة 7/5/2010 أن مصر تعمل على تصحيح الأوضاع في غزة وعودة السلطة الى القطاع

ولعل هذا التصريح يزيل إستغراب الكاتب محمد حسنين هيكل في لقائه يوم الأربعاء 7 يناير2009 على قناة الجزيرة حين قال

(أنا عاجز عن فهم الموقف المصري تجاه غزة) وفي نفس السياق أعلن سركوزي في اسرائيل أنه سمع في مصر

( أن حماس لا يجب أن تخرج منتصرة في المواجهة الحالية )

(يعني حرب غزة)

وفي نفس السياق تناولت وكالات الأنباء خبرفشل ضغوط جهات مصرية على حماس لدفعها للمبادرة بطلب وقف إطلاق النار قبل أسرائيل حتى أعلن أولمرت أنه لا يثق بجهود الوساطة المصرية لوقف إطلاق النار فأعلن ذلك من جانب واحد (ويمثل ذلك نصراً معنوياً لحماس) بالإضافة للإدانة الواضحة والصريحة لتقرير جولدستون للدول المشاركة في الحصار

وفي نفس السياق استخدمت القناة الخامسة للتلفزيون الفرنسي في نشرة أخبار الساعة الخامسة مساء يوم الأحد 6/6 مصطلح لحصار الإسرائيلي المصري لقطاع غزة (الأمر الذي رسخ صورة مصر كحليف وشريك للكيان الصهيوني في حصاره وحربه على غزة مما أفقد مصرالكثير من رصيدها السياسي والقومي والتاريخي والذي أنعكس داخلياً على العلاقة السلبية بين الدولة والشعب وخارجياً كان مؤسفاً بل مؤلماً المظاهرات التي حاصرت سفارات وقنصليات مصرية في الخارج بسبب حصار غزة وما تقدمه من دعم وخدمة للأمن القومي الصهيوني بإحكام الحصار و ببناء الجدار

بالإضافة الى فقد مصر هيبتها ومقوماتها كوسيط وراعي للمصالحة الفلسطينية (والتي كان من الممكن أن تستبقي بها مصر شيئاً من دورها الإقليمي لا أن تعمد في صياغة الورقة المصرية للتمكين لفريق أوسلو

بالإضافة الى الأضرار الناتجة عن مخالفة مصر للقوانين والمواثيق الدولية التي تزيد من أهتزاز كيانها ووضعها بمخالفتها اتفاقية جنيف في 1949و التي صدقت عليها في 1952، والتي تنص المادة 59 منها على أنه "إذا كان جزء من السكان أو جميعهم في أرض محتلة ليست لديهم الإمدادات الكافية، فإنه يتعين على سلطة الاحتلال الموافقة على برامج الإغاثة.. ويتعين على جميع الأطراف الموقعة السماح بالمرور الحر للشحنات، وضمان حمايتها".(أي فتح دائم للمعابر)

ناهيك عن اتفاقية معبر رفح المنتهيه ومصر ليست طرف فيها ولا حجية لإعمالها وعدم إعمال أتفاقية جنيف

ناهيك عن اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية، والتي اعتمدت، وعرضت للتوقيع والتصديق، أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948، وكان بدء نفاذها في 12كانون الأول/يناير 1951حيث جاء في المادة الثانية من هذه الاتفاقية صور الإبادة الجماعية على الوجه التالي:
"
في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، أوإثنية، أو عنصرية، أو دينية، بصفتها هذه:أ) قتل أعضاء من الجماعة.ب (إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.ج) إخضاع الجماعة -عمدًا- لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا.د) فرض تدابيرتستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.هـ) نقل أطفال من الجماعة -عنوة- إلى جماعة أخرى" فهذا النص بكامل صوره ينطبق على ما تقوم به مصر و إسرائيل في حق أهل غزة من حصار وبناء جدار
وزاد من إهتزاز هيبة الدولة ومصداقية انتمائها وأرتباطها الديني والأخلاقي لما يحوي الدين من أحكام واضحة تجرم الحصار و بناء الجدار

ونبين بعضها على النحو التالي

:إن بنا ءالجدار وإحكام الحصارعده الفقهاء من صور العدوان والقتل العمد، . قال الدسوقي الفقيه المالكي: "يقتص ممن منع الطعام والشراب عن مسلم محبوس"

وفي الفروق" من حبس شخصًا، ومنعه من الطعام والشراب فهو قاتل له".

وقال زكريا الأنصاري الشافعي: "لو حبسه ومنعه الطعام أو الشراب والطلب له مدة لزمه القصاص لكونه عمدًا، لظهور قصد الإهلاك به،
وفي هذا أيضاً أخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

(ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه( وأخرج أيضاً ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى الْكَعْبَةِ فَقَال :

(ما أَعْظَمَ حُرْمَتَك، وَمَا أَعْظَمَ حَقَّك، وَالْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْك، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ، وَحَرَّمَ دَمَهُ وَحَرَّمَ عِرْضَهُ وَأَذَاهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ سُوءٍ) وأخرج البيهقي والطبراني بإسناد حسن عن جابر وأبي أيوب الأنصاري قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما من امرئ يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته. وما من امرئ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته(

فهذه نصوص الأحاديث وأقوال الفقهاء تشهد بأن من منع الطعام والشراب والعلاج عن شخص حتى مات، قاصدًا قتله أو تعذيبه، فهو قاتل مجرم،

فكيف بمن منع الطعام والشراب والدواء عن أكثر من مليون ونصف من المدنيين، وفرض حصارًا ظالمًا بل ويخدع الشعوب بآلته الإعلامية ويوطن لربط الإسلام والمقاومة بالإرهاب لمصالح وأجندات خاصة

الخميس، 17 يونيو 2010

ظاهرة التعذيب بقلم مجدي هلال مدير عام بالأزهر الشريف

ظاهرة التعذيب

التعذيب هو كل فعل مقصود يسبب ألماً أو معاناةً سواء جسدية أو نفسية لشخص ما .... وفق إعلان الاممم المتحدة 1975 واتفاقية مناهضة التعذيب 1984 والمادة 126 من قانون العقوبات المصري وهو إلحاق الأذى والمُثلةبكائن (حياً أو ميتاً) إنساناً أو حيواناً وفق مصطلحات الفقه الإسلامي
وقد جرم القانون المصري والاتفاقات الدولية عملية التعذيب بكل صورها وأدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التعذيب حتى فيما يسمى بمكافحة الإرهاب وكذلك المحكمة الجنائية الدولية وكذلك المحكمة الجنائية المصرية
ولقد منع الإسلام التعذيب إبتداءً حين جعل الحفاظ على النفس والجسد والعرض مقصداً تشريعياً ووفر مناخاً وقائياً حين أمر الراعي والرعية بـ (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي} الانعام وفي الحديث الشريف : عن هشام بن حكيم بن حزام قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا ) رواه مسلم وأبو داود
ومن مفاخرنا التي يجب أن نتيه بها على غيرنا من الأمم أن الإسلام ديننا السمح حرم المُثْلَة، وحفظ على الإنسان حياته فلا تُهْدَر إلا قصاصًا، واعتبر النفس الواحدة رمزًا للبشرية جمعاء { مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } [المائدة: يكفيك أن تقارن هذه الحصانة الشديدة للنفس الإنسانية وأن تسترجع حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة التي دخلت النار في قطة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» [رواه البخاري (2365)، ومسلم (2242)]. وتذكر حديث ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) مر عليه حمار قد وُسِمَ في وجهه ..(أي كُوِيَ بالنار) فقال (صلى الله عليه وسلم): لعن الله الذي وسمه، وحديث ابن مسعود: كنا مع رسول الله في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة – نوع من الطيور – معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة تعرش (تحوم وتخفق بجناحيها) فجاء النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها. ورأى (صلى الله عليه وسلم) قرية نمل قد حرقها بعض الناس، فقال لبعض أصحابه: من حرق هذه؟ فقال بعض الصحابة: نحن، فقال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار. فإذا كان هذا دأب رسول الإسلام مع القطة والطير والنمل، فما بالك بحرصه على النفس الإنسانية من أن تتعرض لمُثْلَة أو تنكيل أو هوان؟! اسمع إلى قول الصحابي الجليل أبي علي سويد بن مقرن: لقد رأيتني سابع سبعة ما لنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نعتقها، واسمع إلى أبي مسعود البدري وهو يقول: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط فسمعت صوتًا من خلفي يقول: (اعلم أبا مسعود) فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا ( وفي رواية فسقط السوط من يدي من هيبته) ويمضي أبو مسعود في روايته: فقلت يا رسول الله هو حرّ لوجه الله، فقال (صلى الله عليه وسلم): أما لو لم تفعل للفحتك النار وأصبحت هذه التعاليم النبوية السمحاء ملء قلوب الصحابة الأجلاء، يحرصون على إفشائها وذيوعها بين الناس، فأخذوا يتعقبون الولاة والعمال في الأمصار؛ ليرصدوا سلوكهم مع رعاياهم حتى يأمنوا عدم انحرافهم عن قواعد الرحمة والعدل والترفق بالناس، وحسبك أن تذكر قصة القبطي الذي شد الرحال من الفسطاط إلى مدينة الرسول(صلى الله عليه وسلم) ليشكو إلى الخليفة عمر من ابن الأكرمين (ابن عمرو بن العاص) ليقول له تلك المقولة الخالدة التي ازدان بها تاريخ الإنسانية : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟).. ها هو عمر الفاروق يوصي رعيته ليجعل منهم رقباء على عماله على الولايات الإسلامية في عهده بوصايا لازالت تتردد في سمع الزمان فيقول: ( إني لم أبعث عمالي ليجلدوا ظهوركم، ولا ليأخذوا أموالكم إنما بعثتهم ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم). حسبك أن تذكر هذا وغيره من صور العدل والتراحم والرفق واحترام كرامة الإنسان؛ لتدرك مدى الهاوية التي انحدر إليها واقع بلادنا ولا ندري من أين تسربت هذه النزعة الشريرة إلى نفوس القادرين على ارتكاب هذا المنكر، إلا أن يكون الشر والخسة والقهر والإنحطاط والفساد والتخلف والخوار الروحي والمرضي

التعذيب ظاهرة مرضية (سادية) منهجية :

بدراسة صور التعذيب وجد أنها عبارة عن حزم نوعية ممنهجة حسب الآمر والقائم بالتعذيب وحالته المزاجية والمرضية
فحزمة : التخويف والإرهاب والسب والشتم والعزل وتغطية الراس والوقوف بجوار الحائط
وحزمة : الحرمان من النوم ومن الطعام والشراب ودخول الحمام
وحزمة : الشبح والسلخ والهز والإنهاك التام والتعرض للضوضاء الشديدة والبرودة والحرارة الشديدة
وحزمة : الصعق بالكهرباء واستخدام الكيماويات والكي بالنار والنفخ وإدخال أجسام ومواد في الفرج
وبمراجعة خبراء الصحة النفسية أجمعوا على أن الذي يقوم بمثل هذه الأفعال مريض نفسي (سادي) لابد من أقصائه وعلاجه

أسوأ ما في الظاهرة :

تورط الدولة في حماية المعذبين ومنهجة التعذيب كأداة قمع وتسيير للأمور. فالدولة مسؤلة عن أفعال موظفيها ومسؤلة عن إستيراد أدوات التعذيب ووجود أدوات التعذيب في أماكن ومقرات الحجز والاعتقال ومسؤلة عن المحتوي الدراسي والتدريبي والتوجيهي الذي يعطى لأفراد الأمن والذي يفضي إلى التعذيب ومسؤلة عن القواعد الغير مكتوبة ومنتشرة ومتوارثة بين أفراد الأمن والمفضية للتعذيب ومسؤلة عن مناخ القهر والاستعلاء السائد بين الأجهزة الامنية

علاج ظاهرة التعذيب :

علاج الظاهرة ليس في التشريع فقط بل في الإرادة السياسية والتوجه القيمي فلابد من :
تغيير فلسفة ومرجعية الأجهزة الأمنية لتكون أجهزة أمن الامة وحماية أفراد وممتلكات الشعب وقيمه ومعتقداته
استقلال وحيادية قيادات وأفراد هذه الأجهزة فلا ينتمون لحزب أو جماعة أو نادي (كالروتاري وغيره)
إخضاع مقرات هذه الأجهزة للإشراف القضائي والمدني
وجود شراكة وتعاون مجتمعي منظم بين المقرات الأمنية ورموز وقيادات المجتمع المدني
تطبيق التعامل الألكتروني والموثق في المقرات الأمنية لضبط الأداء والحركة وتوثيق الحقوق
تعاون المجتمع المدني والنخبة والإعلام في التوعية ومناهضة التعذيب
الاستفادة من تجربة شرطة دبي وشرطة الحكومة الشرعية في غزة

الاثنين، 4 يناير 2010

الجدار يهدد الأمن القومي


الجدار يهدد الأمن القومي

الجدار فعلاً يهدد الأمن القومي وليس كما ُيرَوج له عبر الإعلام والتصريحات وهذا ما تبينه هذه الرسالة حسبة لله وبلاغا للناس وشهادة للتاريخ
فماذا يعني مفهوم الأمن القومي ؟
مفهوم الأمن وفق دائرة المعارف البريطانية يعني :
"حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية".
أما مفهوم الأمن كما أوضحه "روبرت مكنمارا" وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية البارزين في كتابه "جوهر الأمن".. حيث قال:
"إن الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة"
ولعل أدق مفهوم "للأمن" هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله - سبحانه وتعالى –:
"فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ".
ومن هنا نؤكد أن الأمن هو ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث يعني التهديد الشامل، سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي منه والخارجي
وهذا التهديد متحقق من قبل التحالف الصهيوأمريكي و الأوروبي وما يتعلق به من إملاءات وهيمنه وشراكة وتغلغل بكل صوره وهذا بالطبع لا يمكن أن ينطبق على حالة غزة بحكم الدين والمصير والتاريخ والواقع وعليه فإن المكان الصحيح للجدار هو الشريط الحدودي من معبر كرم أبو سالم إلي رأس طابا المصرية (التي يمر منها الصهاينه في أي وقت بالبطاقة الشخصية) وهي الحدود الحالية بين مصر والكيان الصهيوني
وفي إطار هذه الحقيقة يكون المفهوم الشامل "للأمن" هو:
"القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل " وعليه فإن هذا المفهوم له عدة أبعاد :..

البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الوضع السياسي للدولة وسمعتها داخلياً وخارجياً
والجدار رسخ صورة مصر كحليف وشريك للكيان الصهيوني في حصاره وحربه على غزة مما أفقد مصر رصيدها السياسي القومي التاريخي والذي يتضح داخلياً ليس من تنامي المعارضة الداخلية فقط ولكن من نتائج استطلاعات الرأي المحايدة وسلبية العلاقة بين الدولة والشعب
وخارجياً كان مؤسفاً ولثاني مرة في تاريخ مصر تحاصر سفارات وقنصليات مصرية في الخارج بمظاهرات بسبب بناء مصر للجدار الفولاذي الذي أدى إلى مزيد من تراجع بل تلاشي الدور والرصيد العربي والإقليمي والإسلامي والعالمي لمصر لما تقدمه من دعم وخدمة للأمن القومي الصهيوني بإحكام الحصار و ببناء هذا الجدار بالإضافة الى فقد مصر هيبتها ومقوماتها كوسيط وراعي للمصالحة الفلسطينية (والتي كان من الممكن أن تستبقي بها مصر شيئاً من دورها الإقليمي )
بالإضافة الى الأضرار الناتجة عن مخالفة مصر للقوانين والمواثيق الدولية والإقليمية التي تزيد من أهتزاز كيانها ووضعها مما يضر بأمنها القومي وهذه المخالفات تتلخص في :

إن غلقها لمعبر رفح قد خالفت اتفاقية جنيف في 1949، أو التي صدقت عليها في 1952، والتي تنص المادة 59 منها على أنه "إذا كان جزء من السكان أو جميعهم في أرض محتلة ليست لديهم الإمدادات الكافية، فإنه يتعين على سلطة الاحتلال الموافقة على برامج الإغاثة..
ويتعين على جميع الأطراف الموقعة السماح بالمرور الحر للشحنات، وضمان حمايتها".
(مع ملاحظة أن اتفاقية معبر رفح منتهيه ومصر ليست طرف فيها ولا حجية لإعمالها وعدم إعمال أتفاقية جنيف)

جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية، والتي اعتمدت، وعُرضت للتوقيع والتصديق، أو للانضمام بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948، وكان بدء نفاذها في 12كانون الأول/يناير 1951حيث جاء في المادة الثانية من هذه الاتفاقية صور الإبادة الجماعية على الوجه التالي:
"في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيًّا من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، أوإثنية، أو عنصرية، أو دينية، بصفتها هذه:أ) قتل أعضاء من الجماعة.ب (إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.ج) إخضاع الجماعة -عمدًا- لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًّا أو جزئيًّا.د) فرض تدابيرتستهدف الحيلولة دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.هـ) نقل أطفال من الجماعة -عنوة- إلى جماعة أخرى" فهذا النص بكامل صوره ينطبق على ما تقوم به مصرو إسرائيل في حق أهل غزة من حصار وبناء جدار

ولعل من المهم أن نشير إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية، والذي وضع عام 1944م، وأنشئت الجامعة على أساسه في مارس عام 1945م، لم يذكر مصطلح "الأمن"، وإن كان قد تحدث في المادة السادسة منه عن مسألة "الضمان الجماعي" ضد أي عدوان يقع على أية دولة عضو في الجامعة، سواء من دولة خارجية أو دولة أخرى عضو بها. كما أن معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والموقعة عام 1950م، قد أشارت إلى التعاون في مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى "الأمن"، ونصَّت المادة الثانية منها على ما أطلق عليه "الضمان الجماعي"،
وبناء الجدار و إحكام الحصار (بالإضافة إلى موقف مصر أثناء حرب غزة) يخل بمبدأ الضمان الجماعي ويعد لوناً من الإعتداء الذي يترتب عليه مخالفة مصر لميثاق الجامعة العربية مما يضعف وضعها السياسي الذي يؤثر بدوره على أمنها القومي

البُعْد الاقتصادي.. الذي يتمثل في الوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية والتكلفة الضخمة للجدار- ان كانت مصر ستتحملها فستزيد من كارثية الوضع الاقتصادي لمصر وديونها وإن كانت هذه التكلفة ستقدم كمنحة فمؤكد سيكون هذا على حساب سيادتها وأمنها القومي
الى جانب غلق سوق – وإن كان غير رسمي – تجاري ضخم في سيناء والمحافظات القريبة كان التداول فيه بملايين الدولارات مما أنعش هذه المحافظات إقتصادياً ,وبلغ حجم البيع والشراء في أقل من عشر أيام – عند دخول بعض الغزاويين لسيناء
بثلث المعونة الأمريكية المقدمة لمصر
بالإضافة لتأثر الإقتصاد المصري نتيجة تنامي الحركات العالمية المطالبة بمقاطعة البضائع والسياحة المصرية نتيجة بناء الجدار الفولاذي
وأيضاً تأثر الطلب على السلع المصرية- بدأ فعلاً – في الدول العربية و الاسلامية و الافريقية نتيجة بناء الجدار الفولاذي
وتأثر الاقتصاد داخلياً نتيجة للحالة السلبية العامة التي خلفها بناء الجدار
في الوقت الذي يحتل الاقتصاد الاسرائيلي أي موقع ينسحب منه الاقتصاد المصري – في ظل أزمة عالمية خانقة
مع ملاحظة تمسك مصر باعتبار معبر رفح معبراً للأفراد فقط!!!! (بلا تعليق)

البُعد الاجتماعي.. الذي يتمثل في تنمية الشعور بالانتماء والولاء وهذا الشعور يتضائل نتيجة لممارسات عديدة حتى جاء بناء الجدار فزاد من اضمحلال هذا الشعور لأن قضية شعب غزة هي قضية القدس هي قضية عقيدة ومصير ووجدان وبناء الجدار الفولاذي خذل هذه القضية ومن ثم ضعف الولاء والانتماء ومن ثم حدث خرق في منظومة الأمن القومي

البُعْد المعنوي و الأيديولوجي. و. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم ,ويحقق التوافق والانسجام مع عقيدة الأمة ويستجلب رضا الله
وبناء الجدار الفولاذي خالف كل هذا وهدم بعضه وزاد من إهتزاز هيبة الدولة ومصداقية انتمائها وأرتباطها الديني والأخلاقي لما يحوي الدين من أحكام واضحة تجرم بناء الجدار ونبين بعضها على النحو التالي :
إن بنا ءالجدار وإحكام الحصارعده الفقهاء من صور العدوان والقتل العمد، . قال الدسوقي الفقيه المالكي: "يقتص ممن منع الطعام والشراب عن مسلم محبوس"وفي الفروق" من حبس شخصًا، ومنعه من الطعام والشراب فهو قاتل له". وقال زكريا الأنصاري الشافعي: "لو حبسه ومنعه الطعام أو الشراب والطلب له مدة لزمه القصاص لكونه عمدًا، لظهور قصد الإهلاك به،
وفي هذا أيضاً أخرج الحاكم في المستدرك عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه ))وأخرج أيضاً ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى الْكَعْبَةِ فَقَال :
( مَا أَعْظَمَ حُرْمَتَك، وَمَا أَعْظَمَ حَقَّك، وَالْمُسْلِمُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْك، حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ، وَحَرَّمَ دَمَهُ وَحَرَّمَ عِرْضَهُ وَأَذَاهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ سُوءٍ)
وأخرج البيهقي والطبراني بإسناد حسن عن جابر وأبي أيوب الأنصاري قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما من امرئ يخذل مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته. وما من امرئ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته ))
فهذه نصوص الأحاديث وأقوال الفقهاء تشهد بأن من منع الطعام والشراب عن شخص حتى مات، قاصدًا قتله أو تعذيبه، فهو قاتل مجرم، فكيف بمن منع الطعام والشراب والدواء عن مليون ونصف من المدنيين، وفرض حصارًا ظالمًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا
وهذا كله يضعف البعد المعنوي والأيدولوجي الذي يعد بعداً هاماً من أبعاد الأمن القومي

البُعْد البيئي والصحي. الذي يعني التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن.
وبناء الجدار الفولاذي وإحكام الحصار يزيد إمكانية تأثر مصر بيئياً وصحيا لعدم حصول غزة على معدات ومواد معالجة الصرف والنفايات فضلاً عن قابلية انتشار الأوبئةً بسب تدهور الأحوال البيئية والصحية المترتبة على الحصار والذي يدفع غزة إلى إلقاء أكثر من مليون لتر عادم يومياً في البحر
فضلاً عن تلوث خزان المياه الجوفية المشترك ين مصر وغزة جراء الجدار الفولاذي
والذي يعد إضراراً بالأمن القومي المصري لذلك نقول :

الجدار يهدد الأمن القومي